القرآن وكتاب موسى
الجزء الثالث / التوراة
قال تعالى:
إِنَّآ أَنزَلۡنَا ٱلتَّوۡرَىٰةَ فِيهَا هُدٗى وَنُورٞۚ يَحۡكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسۡلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلرَّبَّٰنِيُّونَ وَٱلۡأَحۡبَارُ بِمَا ٱسۡتُحۡفِظُواْ مِن كِتَٰبِ ٱللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيۡهِ شُهَدَآءَۚ
دائما ما تُذكر التوراة في القرآن بصورة منفصلة عن كتاب موسى وكأنها كتاب بحد ذاته، والتوراة في الحقيقة هي فصل من فصول كتاب موسى، وتشمل القوانين والأحكام وكل ما يتعلق من تنظيم حياة الإنسان.
وقد ذكرها القرآن بشكل منفصل عن الكتاب مع إنها جزءاً منه لما لها من أهمية كبرى في تنظيم حياة الإنسان.
ولو تتبعنا الآيات التي ذكرها القرآن بخصوص التوراة لوجدنا التأكيد على إقامة التوراة والعمل بها كان ملفت للنظر وحظي باهتمام كبير ،قال تعالى:
وَلَوۡ أَنَّهُمۡ أَقَامُواْ ٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِم مِّن رَّبِّهِمۡ لَأَكَلُواْ مِن فَوۡقِهِمۡ وَمِن تَحۡتِ أَرۡجُلِهِمۚ مِّنۡهُمۡ أُمَّةٞ مُّقۡتَصِدَةٞۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ سَآءَ مَا يَعۡمَلُونَ
أن أهمية التوراة ليست مقتصرة لزمان دون آخر او جماعة دون أخرى أو أنها لنبي دون آخر بل هي من ضروريات الدين الإسلامي التي افترضها الله سبحانه على عباده لما لها من ارتباط وثيق في كل ما يخص حياة الإنسان .
فعند دراسة القرآن نرى الاهتمام الواضح في التوراة من خلال عدة نواحي، فمثلاً التأكيد على إثباتها حكماً إلهياً بقوله تعالى:
إِنَّآ أَنزَلۡنَا ٱلتَّوۡرَىٰةَ فِيهَا هُدٗى وَنُورٞۚ يَحۡكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسۡلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلرَّبَّٰنِيُّونَ وَٱلۡأَحۡبَارُ بِمَا ٱسۡتُحۡفِظُواْ مِن كِتَٰبِ ٱللَّهِ
ومن ناحية إقامتها والعمل بها، قال تعالى:
قُلۡ يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لَسۡتُمۡ عَلَىٰ شَيۡءٍ حَتَّىٰ تُقِيمُواْ ٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكُم مِّن رَّبِّكُمۡۗ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرٗا مِّنۡهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ طُغۡيَٰنٗا وَكُفۡرٗاۖ فَلَا تَأۡسَ عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ
وكذلك بين الله أهمية التوراة بواسطة السيد المسيح ، وذلك من عدة وجوه؛
الوجه الأول من خلال تعليمه التوراة، قال تعالى:
إِذۡ قَالَ ٱللَّهُ يَٰعِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ ٱذۡكُرۡ نِعۡمَتِي عَلَيۡكَ وَعَلَىٰ وَٰلِدَتِكَ إِذۡ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِ تُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلۡمَهۡدِ وَكَهۡلٗاۖ وَإِذۡ عَلَّمۡتُكَ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَۖ
الوجه الثاني كان من خلال تصديق النبي عيسى لكتاب التوراة، قال تعالى:
وَمُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعۡضَ ٱلَّذِي حُرِّمَ عَلَيۡكُمۡۚ وَجِئۡتُكُم بِـَٔايَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ
تكمن أهمية الحاكم والقائم بأمر الله في أي مجتمع أن يحكم بين الناس بالعدل، وليس هناك أكثر عدالة من الرؤية الإسلامية في تطبيق العدل بين الناس، ومن أجل ذلك كان لابد من وجود من يمثل الرؤية الإلهية في إقامة الحكم الإلهي بين الناس، وقد تمثل في شخص السيد المسيح من خلال ما علمه الله سبحانه حكم التوراة ومعرفة ما فيها من حلالاً وحرام وقد تجسدت تلك الحالة فيما حلل لهم ما حرم عليهم، قال تعالى:
وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعۡضَ ٱلَّذِي حُرِّمَ عَلَيۡكُمۡۚ وَجِئۡتُكُم بِـَٔايَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ
والتحريم بلا دليل هو معضلة كبرى للناس حتى لو كان القصد منه طلب رضى الله، وأبسط مثال على ذلك ما ورد في القرآن الكريم بخصوص إسرائيل الذي حرم على نفسه بعضاً من الطعام من دون أي دليل وأمر إلهي، قال تعالى:
كُلُّ ٱلطَّعَامِ كَانَ حِلّٗا لِّبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسۡرَٰٓءِيلُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦ مِن قَبۡلِ أَن تُنَزَّلَ ٱلتَّوۡرَىٰةُۚ قُلۡ فَأۡتُواْ بِٱلتَّوۡرَىٰةِ فَٱتۡلُوهَآ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ
الخاتمة
مرت البشرية منذ نشوئها بمراحل كثيرة وكان { بداية آخرها } هي فترة وجود أبينا آدم، والذي منه ابتدأت مرحلة (البشر المرسلين) والبشر المرسلين هو مصطلح يعبر عن مجموعة من الذين اصطفاهم الله من بني آدم ليكونوا رسل الله بدلا من الملائكة الذين كانوا رسل الله فيما سبق وهذا ما سوف نتحدث عنه في بحث [الوجود البشري بين حكم الملائكة والحكم الآدمي] وقد تمثلت في نوح وهود وصالح وشعيب رسل الله للناس ليعلموهم مكارم الأخلاق من جهة ،وبضرورة عبادة الله الواحد الأحد من جهة أخرى .
ثم جاء دور إبراهيم النبي ليرفع قواعد الدين الإسلامي وفق منهج الكتاب الذي لا ريب فيه هدى للعالمين ولكي يجمع الناس في دين واحد بلا إكراه ليطلق عليهم تسمية المسلمين.
واستمر هذا الدور من بعده مع إسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف، الى أن وصل الأمر الى النبي موسى الذي شهد مرحلة جديدة من الدين الإسلامي وهي مرحلة نزول الألواح أو صحف موسى والتي هي أول كتاب أنزل للناس تفصيلاً للكتاب العام (الدستور الإلهي) وكان التوراة كتاب الأحكام والقوانين جزء من كتاب موسى و فصلا من فصوله والله أعلم
