القرآن وكتاب موسى / الجزء الرابع

  القرآن وكتاب موسى

الجزء الرابع / كتاب موسى

وَٱصۡطَنَعۡتُكَ لِنَفۡسِي

قبل الحديث عن كتاب موسى وما فيه من إشارات، نتطرق في عجالة عن شخص النبي موسى عليه السلام ،على أن نخصص بحث خاص نبحث فيه كل ما يتعلق بهذا النبي وفق الرؤية القرآنية.

حينما نبحث عن النبي موسى في القرآن الكريم نجد هناك صفات ومقامات خصصها الله سبحانه وتعالى لشخص النبي موسى عليه السلام ، نذكر بعضاً منها حسب ما وردت في القرآن الكريم، قال تعالى:

وَإِذۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡفُرۡقَانَ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ

وَٱذۡكُرۡ فِي ٱلۡكِتَٰبِ مُوسَىٰٓۚ إِنَّهُۥ كَانَ مُخۡلَصٗا وَكَانَ رَسُولٗا نَّبِيّٗا

قَالَ يَٰمُوسَىٰٓ إِنِّي ٱصۡطَفَيۡتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَٰلَٰتِي وَبِكَلَٰمِي فَخُذۡ مَآ ءَاتَيۡتُكَ وَكُن مِّنَ ٱلشَّٰكِرِينَ

وَأَلۡقَيۡتُ عَلَيۡكَ مَحَبَّةٗ مِّنِّي وَلِتُصۡنَعَ عَلَىٰ عَيۡنِيٓ

وَٱصۡطَنَعۡتُكَ لِنَفۡسِي

صفة واحدة فقط لو أخذت بعين الاعتبار فإنها تكفي أن تجعل موسى النبي في منزلة عالية جداً عند الله ،ويكفيه فخراً أن الله سبحانه يقول عنه (وَٱصۡطَنَعۡتُكَ لِنَفۡسِي) .

فأي منزلة تلك التي حظي بها موسى عليه السلام وأي مقام.

القرآن وكتاب موسى / الجزء الرابع


وأنا ارجوا أن يوفقني الله سبحانه ويرزقني لاحقا شرف الحديث عن هذه الشخصية الفذة وفق ما ذكره الله لنا في كتابه العزيز، وسوف أجعل البحث تحت عنوان(وَٱصۡطَنَعۡتُكَ لِنَفۡسِي).

مهما قلت ومهما تحدثت، ومهما استعنت بكتب البلاغة والفصاحة لا أستطيع أن أعطي المعنى الحقيقي والتفسير الدقيق والشامل لتلك الصفة العظيمة التي ان دلت على شيء فإنها تدل على أن الله قد خلق موسى عليه السلام و أوجده لذاته الإلهية.

فكل ما في موسى من سلوك وأفعال  وحياة وممات هو لله سبحانه.

إماماً ورحمة

أن نزول كتاب موسى كان علامة فارقة في تاريخ البشرية، حيث أنه أول كتاب أنزله الله سبحانه للناس. وقد وصف الله سبحانه ذلك الكتاب بأنه بالإمام والرحمة.

والإمام لغوياً هو ما يأتم الناس به ويكون صفة للعاقل وغير العاقل.

فهناك إمامة إبراهيم ، قال تعالى:

وَإِذِ ٱبۡتَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِـۧمَ رَبُّهُۥ بِكَلِمَٰتٖ فَأَتَمَّهُنَّۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامٗاۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِيۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهۡدِي ٱلظَّٰلِمِينَ

فكان إبراهيم عليه السلام منذ ذلك الحين وإلى اليوم والى ما شاء الله من السنين والأعوام القادمة هو إمام الناس وقائدهم وقد أكد الله على ضرورة إتباع ملة إبراهيم في الكثير من الآيات ، قال تعالى:

قُلۡ صَدَقَ ٱللَّهُۗ فَٱتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفٗاۖ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ

وأكد سبحانه على ضرورة إتباع نهج إبراهيم وعدم العدول لغيره ،قال تعالى:

وَمَن يَرۡغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبۡرَٰهِـۧمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفۡسَهُۥۚ وَلَقَدِ ٱصۡطَفَيۡنَٰهُ فِي ٱلدُّنۡيَاۖ وَإِنَّهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ

وجاء الإمام أيضا بصفة الكتاب كما في كتاب موسى، قال تعالى:

وَمِن قَبۡلِهِۦ كِتَٰبُ مُوسَىٰٓ إِمَامٗا وَرَحۡمَةٗۚ وَهَٰذَا كِتَٰبٞ مُّصَدِّقٞ لِّسَانًا عَرَبِيّٗا لِّيُنذِرَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُحۡسِنِينَ

أذن الكتاب هنا هو قائد الناس ودليلهم  في الحكم و الدين و العلم وحتى في الدعوة لله سبحانه فهو الداعي للخير والهدايا طيلة حياة الإنسان.

أن في نزول كتاب موسى بعدين رئيسيين، هما :

أولاً : وجود نبي يحمل مسؤولية تبليغ الكتاب للناس

ثانياً : هو وصول الوعي البشري لمرحلة تمكنه من تلقي الكتاب واستيعاب أفكاره واتباع إرشاداته والسير على منهجه.

ويعتبر هذين البعدين ضرورة من أجل إتمام الأمر الإلهي على أكمل وجه .

إن مرحلة وجود النبي موسى تختلف عن مراحل من سبقوه من الأنبياء من ناحية الوعي البشري ومدى تقبل الناس فكرة نزول الكتاب وأتباعه ، فهي أشبه ما تكون مراحل تكاملية للإنسان ابتدأت منذ وجود البشرية إلى فترة وجود آدم ومروراً بفترة نوح وما بعده من الأنبياء ثم إبراهيم والذي بدأ به مرحلة نشوء الدين الإسلامي وتبليغه للناس وهي مرحلة ترسيخ فكرة الدين الإسلامي إلى أن وصل الأمر إلى النبي موسى والذي بدأت معه مرحلة نزول أول كتاب للناس والذي يعتبر منهج الدين الإسلامي من أحكام ومواعظ وعبر وتفصيل الكتاب العام ( الدستور الإلهي).  


قَالَ يَٰمُوسَىٰٓ إِنِّي ٱصۡطَفَيۡتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَٰلَٰتِي وَبِكَلَٰمِي فَخُذۡ مَآ ءَاتَيۡتُكَ وَكُن مِّنَ ٱلشَّٰكِرِينَ وَكَتَبۡنَا لَهُۥ فِي ٱلۡأَلۡوَاحِ مِن كُلِّ شَيۡءٖ مَّوۡعِظَةٗ وَتَفۡصِيلٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ فَخُذۡهَا بِقُوَّةٖ وَأۡمُرۡ قَوۡمَكَ يَأۡخُذُواْ بِأَحۡسَنِهَاۚ سَأُوْرِيكُمۡ دَارَ ٱلۡفَٰسِقِينَ

أن كتاب موسى لم يكن كتاب أحادي الفكر والموضوع ، وإنما هو كتاب شامل وتفصيل لكل شيء، فيه الأحكام والقوانين والعبر والمواعظ وعلم كل شيء لأي شيء.


ولأن مرحلة موسى تتطلب التركيز على تنظيم حياة الإنسان مع مجتمعه من كل الجوانب، لهذا كانت ضرورة تسليط الضوء على الأحكام والقوانين بشكل خاص، وعلى هذا الأساس كانت التوراة ذلك الكتاب الذي ينظم حياة الإنسان مع محيطه.


تعليقات