القرآن وكتاب موسى
الجزء السادس / الاستدلال بالقرآن على من نزل عليه القرآن
عند البحث والتدقيق في القرآن عن كل ما يخص نزول القرآن، نجد أن هناك من ارتبط ذكره مع نزول القرآن بشكل مباشر، ودائما ما يُذكر على أنه هو من نزّل القرآن على النبي بأمر من الله سبحانه وتعالى، وذلك هو "الروح الأمين أو روح القدس جبريل".
قال تعالى:
وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين
وقال تعالى:
قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين
قال تعالى:
قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين
والسؤال هو من يكون جبريل؟
جبريل
هو الروح الأمين وروح القدس جبريل، وصفه الله" بروحنا "و" روحاً من أمرنا"
وجميع هذه الألقاب تدل على مخلوق كريم ذو شأن عظيم ومقام رفيع عند الله سبحانه.
وكلت إليه مهام عدة إضافة لمهمة إنزال القرآن وهي نصرة النبي ودعمه وتأييده.
قال تعالى:
إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين.
وهناك أمراً مهم يجب الوقوف عنده لأهميته البالغة وهو؛ عند البحث في القرآن الكريم فيما يخص سيرة وقصص الأنبياء بداية من نوح وهود وصالح وشعيب إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف إلى أيوب وموسى وهارون وداود وسليمان وزكريا ويحيى، لم نرى أي ارتباط يذكر بين أحداً من هؤلاء الأنبياء وبين روح القدس جبريل أطلاقاً.
فلم يذكر لنا القرآن آية واحدة تبين أي دعم أو تأييد من قبل جبريل لأحد من هؤلاء الأنبياء، أو أنه قد بلغ أحدهم بشيء من أوامر السماء، أو حتى تلقى أحدهم دعماً منه أبداً. والقرآن بين أيدي الجميع ويمكنهم الرجوع إليه ليبحثوا بأنفسهم.
النبي الوحيد الذي حظي بدعم وتأييد روح القدس جبريل هو السيد المسيح عيسى ابن مريم فقط.
ومن يظن غير ذلك فليأت بآية واحدة تثبت عكس ذلك، وأنا دليلي القرآن.
قال تعالى:
وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس
قال تعالى:
إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس.
هذه الآيات التي دلت بشكل واضح وقاطع على تأييد "روح القدس جبريل" للسيد المسيح عيسى ابن مريم ودعمه له، وجميع هذه الآيات بينت أن الله سبحانه وتعالى قد منّ على السيد المسيح وتفضل عليه بهذه النعمة.
وهذا الأمر لم يتكرر أبداً مع أي نبي آخر، دلالة على المكانة الرفيعة التي حظي بها كل من السيد المسيح الذي منّ الله عليه بذلك وكذلك مكانة روح القدس جبريل حيث أنه ظهر فقط مع كلمة الله وروحاً منه عيسى ابن مريم وهو الشخص الوحيد الذي وصفه الله بذلك الوصف وأعطاه تلك المنزلة. قال تعالى:
إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه
إذن ومن خلال ما سبق ذكره من يتضح أن النبي الوحيد الذي ارتبط ذكره مع "جبريل روح القدس" هو السيد المسيح عيسى ابن مريم فقط، ولا توجد في القرآن أي آية تثبت عكس ذلك، وعلى هذا الأساس يثبت أن "روح القدس جبريل" لم يكن إلا مع السيد المسيح وعليه فإن نزول القرآن الكريم كان على قلب النبي عيسى ابن مريم، والله أعلم.
الدليل الآخر على من نزل عليه القرآن
دعوة إبراهيم
قال تعالى:
وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم— ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم.
دعونا نتأمل قول إبراهيم عليه السلام (ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم)
أن الرسول الذي بعثه الله ليزكي الناس ويعلمهم الكتاب والحكمة كان المسيح عيسى ابن مريم.
وكانت استجابة الله سبحانه وتعالى لدعاء إبراهيم في قوله:
لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة
وقال تعالى:
كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلوا عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون
كل هذه الآيات تؤكد معنى واحد؛ هو أن الله سبحانه بعث رسول من أجل أن يُعلم المؤمنين الكتاب والحكمة ويُعلم الناس ما لم يكونوا يعلمون.
ومنطقياً يجب أن يكون هذا النبي الذي يعلم الناس أن يكون هو متعلم الكتاب والحكمة بشكل تام وكامل، وهذا لا ينطبق إلا على شخص واحد ذكره القرآن بأن الله علمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وهو في قوله تعالى:
إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل.
النتيجة
وعليه فإن دعوة إبراهيم لا تنطبق إلا على السيد المسيح عيسى ابن مريم فهو الرسول الأمي الذي أنزل الله عليه الكتاب وعلمه الحكمة والتوراة والإنجيل وعلمه ما لم يكن يعلم وكان هو معلم الناس الكتاب والحكمة وهذا ما أكدته الآية القرآنية هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين.
والله أعلم
"اللهم أشهد أني قد بلغت"
