القرآن وكتاب موسى
الجزء الثاني/ كتابي السماء
أن الدين الإسلامي أو الفكر الإسلامي بصورة عامة يتمحور في كتابين أثنين فقط لكونهما الكتابان اللذان شرع الله فيهما القوانين والأحكام والدليل، هو قوله تعالى:
يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ مِن قَبۡلُۚ وَمَن يَكۡفُرۡ بِٱللَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلَۢا بَعِيدًا
فهذه الآية تدل بشكل لا يحتاج بعدها إلى دليل على أن الله سبحانه أمرنا بالإيمان بكتابين إثنين وهذا ما سوف نبينه بالتفصيل
الكتاب الأول
الكتاب الأول بصورة عامة هو تعبير يدل على أول كتاب نزل للناس هداية لهم وقد نزل على نبي الله موسى، قال تعالى:
ثُمَّ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ تَمَامًا عَلَى ٱلَّذِيٓ أَحۡسَنَ وَتَفۡصِيلٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ لَّعَلَّهُم بِلِقَآءِ رَبِّهِمۡ يُؤۡمِنُونَ
وقد أنزله الله لموسى عندما جاء للميقات وكلمه ربه، وقد أطلق القرآن على ذلك الكتاب عدة أسماء وهي( كتاب موسى، صحف موسى و الألواح) وهذا الكتاب هو تفصيل كل شيء موجود في الكتاب العام (الدستور الإلهي) وفيه المواعظ والحكم وتبيان لكل شيء، قال تعالى:
وَكَتَبۡنَا لَهُۥ فِي ٱلۡأَلۡوَاحِ مِن كُلِّ شَيۡءٖ مَّوۡعِظَةٗ وَتَفۡصِيلٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ فَخُذۡهَا بِقُوَّةٖ وَأۡمُرۡ قَوۡمَكَ يَأۡخُذُواْ بِأَحۡسَنِهَاۚ سَأُوْرِيكُمۡ دَارَ ٱلۡفَٰسِقِينَ
وكتاب موسى الذي يضم كل شيء من مواعظ وحكم وقصص وغيرها يضم أيضا الأحكام والقوانين التي تنظم حياة الإنسان من حقوق وواجبات وكانت تلك الأحكام في كتاب موسى ذكرت بفصل خاص في القرآن وأطلق عليه مصطلح (التوراة).
التوراة إذن هو فصل يضم الأحكام والقوانين الوارد ذكرها في كتاب موسى، قال تعالى:
إِنَّآ أَنزَلۡنَا ٱلتَّوۡرَىٰةَ فِيهَا هُدٗى وَنُورٞۚ يَحۡكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسۡلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلرَّبَّٰنِيُّونَ وَٱلۡأَحۡبَارُ بِمَا ٱسۡتُحۡفِظُواْ مِن كِتَٰبِ ٱللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيۡهِ شُهَدَآءَۚ
أي أن كتاب موسى مكون من عدة فصول كان من ضمنها التوراة كتاب القوانين والأحكام والله أعلم.
ومن الجدير بالذكر أن هناك كتاب قد سبق كتاب موسى هو (صحف إبراهيم) والتي أنزلها الله عز وجل على النبي إبراهيم عليه السلام عندما أمره أن يرفع القواعد من البيت وجعله للناس أماما.
أن ما يفرق صحف إبراهيم عن صحف موسى هو أن صحف إبراهيم كانت لإبراهيم نفسه وهي نوع من الإرشادات والتعاليم التي يسير عليها إبراهيم في هداية الناس وتبليغه للدين الإسلامي الذي شرعه الله وأمر به إبراهيم بدعوة الناس إليه، والدليل على ذلك هو عدم ذكر القرآن لنا عن طبيعة تلك الصحف المنزلة على إبراهيم عليه السلام وعلى ماذا نصت من أحكام وقوانين.
وليس صحف إبراهيم فقط هي من كانت خاصة فكان كذلك زبور داوود، وأغلب الظن إن الزبور عبارة عن نصائح وتعاليم لإدارة الدولة وكيفية تحقيق العدل بين الناس إضافة إلى قوانين تهم إدارة الدولة.
أذن فأن صحف إبراهيم وزبور داوود هما مجموعة تعاليم وارشادات تخص المرحلة ذاتها وأيضا على الأحكام والشرائع وعلوم أخرى وكلاهما جزء من الكتاب العام( الدستور الإلهي) .
أما كتاب موسى فهو للناس جميعا وما أختص به موسى لنفسه هو ومن يقوم مقامه عبر عنه القرآن بمصطلح (الفرقان) والله أعلم.
وهنا أود أن أبين بأن التبليغ الإلهي للدين الإسلامي مر بعدة مراحل؛ من مرحلة ما قبل الأنبياء إلى مرحلة وجود الأنبياء والتي بدورها تقسم إلى قسمين هما؛ مرحلة ما قبل الكتاب ومرحلة نزول الكتاب وهي الفترة التي أطلق عليها القرآن بـ (أهل الكتاب) والتي تقسم بدورها إلى قسمين رئيسين هما مرحلة كتاب موسى ومرحلة كتاب عيسى.
الكتاب الثاني
الكتاب الثاني هو الكتاب الذي أنزله الله بعد كتاب موسى، قال تعالى:
وَإِذۡ صَرَفۡنَآ إِلَيۡكَ نَفَرٗا مِّنَ ٱلۡجِنِّ يَسۡتَمِعُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوٓاْ أَنصِتُواْۖ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوۡاْ إِلَىٰ قَوۡمِهِم مُّنذِرِينَ قَالُواْ يَٰقَوۡمَنَآ إِنَّا سَمِعۡنَا كِتَٰبًا أُنزِلَ مِنۢ بَعۡدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلۡحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٖ مُّسۡتَقِيمٖ
وقد أمرنا الله بالإيمان بهذا الكتاب وذاك، قال تعالى:
يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ مِن قَبۡلُۚ وَمَن يَكۡفُرۡ بِٱللَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلَۢا بَعِيدًا
أن نزول القرآن من بعد كتاب موسى هو ليس من باب إلغاء كتاب موسى ورسالته، وإنما هو إكمال المنهج الإسلامي الذي شرعه الله سبحانه وأمر به إبراهيم عليه السلام برفع قواعده، ولا يوجد أي دليل قرآني يثبت أن رسالة أي نبي قد ألغيت برسالة نبي آخر بل أن جميع الأنبياء والمرسلين هم في دين واحد وهو دين الإسلام، قال تعالى:
إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُۗ
وكل نبي جاء بعد إبراهيم عليه السلام أمره الله أن يتبع دين الإسلام وملة إبراهيم، قال تعالى:
قُلۡ إِنَّنِي هَدَىٰنِي رَبِّيٓ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ دِينٗا قِيَمٗا مِّلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفٗاۚ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ
أن دور الأنبياء في الدين الإسلامي هو دور بناء وتثبيت وكلاً حسب دوره الموكل إليه وما يتطلب منه في تلك المرحلة.
فقد يكون دور الأنبياء إرشاد فقط ، وقد يكون إرشاد مع تبليغ رسالة ما، وقد يكون إرشاد مع خلافة وحكم وقيادة الدولة كما هو الحال مع داوود وسليمان عليهم السلام، إلى أن أتم الله الإسلام بعبده ورسوله عيسى ابن مريم و بالقرآن والإنجيل، قال تعالى:
ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗاۚ
القرآن الكريم والذي هو تفصيل الكتاب العام (الدستور الإلهي) يشمل الأحكام والتشريعات والقصص والعبر والمواعظ فهو تفصيل كل شيء، والقسم الذي يهتم بتلك القوانين والأحكام في القرآن على وجه التحديد أسمه الإنجيل.
والإنجيل إذن هو كتاب الأحكام والتشريعات في القرآن الكريم كما هو الحال مع التوراة في كتاب موسى والله أعلم.
