معنى الكتاب في القرآن/ الجزء الثاني

 معنى الكتاب في القرآن



ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدٗى لِّلۡمُتَّقِين

يتلخص معنى الكتاب في القرآن من خلال معرفة الفكرة الحقيقية من وجود الكتاب، والغاية من وجوده.
أن الله سبحانه وتعالى عندما خلق الكون بكل ما فيه، خلقه بنظام وقانون، وأن الإنسان والحيوان والنبات وجميع ما خلق الله محكوم بذلك النظام.
والكتاب حسب فهمي هو ذلك القانون أو النظام الذي ينظم الكون بكل ما فيه ، ويمكن أن نعبر عنه مجازاً بأنه (الدستور الإلهي) الذي يخضع له كل شيء خلقه الله سبحانه.
وهذا القانون أو الدستور الإلهي هو المنهج الذي يسير عليه جميع الأنبياء الذين بعثهم الله بكل زمان ومكان، ولهذا أشارت الآيات السالفة الذكر الى أن الكتاب نزل مع الأنبياء جميعا، ذلك من أجل تنظيم عملهم من خلال معرفتهم للأحكام الشرعية، وهذا يشمل جميع الأنبياء لأنهم جميعهم تحت قانون الدين الإسلامي الذي عبر عنه الله سبحانه في كتابه الكريم بقوله: إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُۗ إذن الكتاب يضم جميع الأحكام والقوانين التي من خلالها تنظم حياة الإنسان بصورة خاصة والكون كله بصورة عامة وقد عبر القرآن عنه بالإمام المبين، قال تعالى:
إِنَّا نَحۡنُ نُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَنَكۡتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَءَاثَٰرَهُمۡۚ وَكُلَّ شَيۡءٍ أَحۡصَيۡنَٰهُ فِيٓ إِمَامٖ مُّبِينٖ
ومما تجدر الإشارة إلى أن معرفة الإنسان للكتاب تختلف من شخص لآخر، حتى أنها تختلف من نبي لآخر.
أن علم الكتاب أشبه ما يكون بأنه علم كل شيء محسوس وغير المحسوس أو أنه علم المنطق وغير المنطق كما هو الحال في قصة النبي موسى مع العبد الصالح حينما أراد العبد الصالح أن يعلم موسى علم خارج حدود المنطق بالنسبة لموسى النبي، فهذا يندرج ضمن علم الكتاب.
وأيضا من مصاديق علم الكتاب نجده في قصة النبي سليمان حينما طلب من الملأ إحضار عرش ملكة سبأ قبل أن يؤتوا إليه مسلمين
قال تعالى:
معنى الكتاب في القرآن/ الجزء الثاني


قَالَ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَؤُاْ أَيُّكُمۡ يَأۡتِينِي بِعَرۡشِهَا قَبۡلَ أَن يَأۡتُونِي مُسۡلِمِينَ قَالَ عِفۡرِيتٞ مِّنَ ٱلۡجِنِّ أَنَا۠ ءَاتِيكَ بِهِۦ قَبۡلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَۖ وَإِنِّي عَلَيۡهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٞ قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُۥ عِلۡمٞ مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ أَنَا۠ ءَاتِيكَ بِهِۦ قَبۡلَ أَن يَرۡتَدَّ إِلَيۡكَ طَرۡفُكَۚ فَلَمَّا رَءَاهُ مُسۡتَقِرًّا عِندَهُۥ قَالَ هَٰذَا مِن فَضۡلِ رَبِّي لِيَبۡلُوَنِيٓ ءَأَشۡكُرُ أَمۡ أَكۡفُرُۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشۡكُرُ لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيّٞ كَرِيمٞ
أن معرفة الكتاب لها درجات ومقامات خاصة، تختلف من نبي لآخر، وفي قصص القرآن الكثير من الإشارات التي تبين تفضيل نبي على نبي آخر، قال تعالى:
تِلۡكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلۡنَا بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۘ مِّنۡهُم مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُۖ وَرَفَعَ بَعۡضَهُمۡ دَرَجَٰتٖۚ وَءَاتَيۡنَا عِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَيَّدۡنَٰهُ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِۗ
ولعل أعلى مقام يصل إليه الإنسان عندما يتلقى علمه ومعرفته من الله عز وجل شخصياً.
وهذا نجده على وجه الخصوص وتحديداً مع عبد الله ورسوله السيد المسيح عيسى ابن مريم حيث أن معلمه هو الله نفسه، فلم يتلقى علمه من مخلوق قط ، وهذا ما بينته الآية المباركة:
إِذۡ قَالَ ٱللَّهُ يَٰعِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ ٱذۡكُرۡ نِعۡمَتِي عَلَيۡكَ وَعَلَىٰ وَٰلِدَتِكَ إِذۡ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِ تُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلۡمَهۡدِ وَكَهۡلٗاۖ وَإِذۡ عَلَّمۡتُكَ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَۖ.
وهنا لا بأس بالإشارة إلى مقام السيد المسيح من خلال مقارنة بسيطة بين الذي عنده علم من الكتاب واستطاع أن يأتي بعرش ملكة سبأ قبل أن يرتد طرف النبي سليمان وبين الذي عنده علم الكتاب ومعلمه هو الله نفسه!!
فلك أن تتخيل ما الذي يمكن أن يقوم به السيد المسيح وهو أعلم خلق الله بعلم الله وعندها سوف تتيقن بأن السيد المسيح عيسى ابن مريم حينما يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى ويخلق من الطين كهيئة الطير فيكون طيراً بأذن الله ما هو إلا غيض من فيض، كيف لا ومن علمه هو الله عز وجل بنفسه.
وبالعودة إلى معنى الكتاب فأنه كما أسلفت بأنه الدستور الإلهي والذي يضم بين طياته التوراة والإنجيل والزبور والقرآن.
وكل نبي له مساحة خاصة وتكليف محدد يسير ضمن هذا الكتاب، فمنهم من يكون الكتاب لهم بمثابة المرشد لمعرفة الحق من الباطل ومعرفة الخطأ من الصواب ولمعرفة أفضل الطرق لتبليغ الدعوة الإلهية للناس ويكون الكتاب حينها خاص للنبي دون الناس.
ومنهم من يكون الكتاب لهم بمثابة الرسالة الإلهية الواجب تبليغها إلى الناس كافة كما هو الحال في صحف موسى التي أمر الله سبحانه نبيه موسى بضرورة تبليغها للناس بعد أن آتاه الله الألواح التي عبر عنها صحف موسى،
قال تعالى:
وَكَتَبۡنَا لَهُۥ فِي ٱلۡأَلۡوَاحِ مِن كُلِّ شَيۡءٖ مَّوۡعِظَةٗ وَتَفۡصِيلٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ فَخُذۡهَا بِقُوَّةٖ وَأۡمُرۡ قَوۡمَكَ يَأۡخُذُواْ بِأَحۡسَنِهَاۚ سَأُوْرِيكُمۡ دَارَ ٱلۡفَٰسِقِينَ
وقوله تعالى:
وَكَتَبۡنَا عَلَيۡهِمۡ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفۡسَ بِٱلنَّفۡسِ وَٱلۡعَيۡنَ بِٱلۡعَيۡنِ وَٱلۡأَنفَ بِٱلۡأَنفِ وَٱلۡأُذُنَ بِٱلۡأُذُنِ وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ وَٱلۡجُرُوحَ قِصَاصٞۚ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِۦ فَهُوَ كَفَّارَةٞ لَّهُۥۚ وَمَن لَّمۡ يَحۡكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ
الكتاب إذن هو الكتاب العام (الدستور الإلهي) الذي منه خرجت كل الكتب الأخرى وهي صحف إبراهيم وموسى والزبور والقرآن والإنجيل، والله أعلم
تعليقات